الحيدري وموت المؤلف..هل يتسع الفتق على الراتق؟

ساخت وبلاگ

الحيدري وموت المؤلف..هل يتسع الفتق على الراتق؟

 

 

في فكر عصر الحداثة، المهم هو ما يفهمه قارئ النص لا مؤلفه، وهذا يعني أن السلطة للواقع وظروفه الفكرية والثقافية وليس للنص ذاته ولا لمؤلف النص، وهذا ما يطلق عليه في الفكر الحداثي ب"موت المؤلف".  وهي مقولة أصلها مستلة من عبارة الفيلسوف نيتشة: "موت الإله" التي ربما يعنى بها موت المطلق وبقاء النسبي. وخطورة مقولة موت المؤلف تكمن في جعل القراءة للنص الديني أي تفسيره وفهمه، متعددة بعدد الأفراد وناتجة من الواقع وتفوقه على النص، وهذا أمر مقبول في مجتمعات عصر الحداثة في الغرب حيث استقر الواقع الاجتماعي على اعتبار الدين هناك علاقة فردية بحتة بين العبد وربه، وأما إذا اعتبرنا الإسلام منهج حياة ونظاما اجتماعيا، فلا يمكن قبول ذلك، بل هذا هو أول الطريق لجعل الإسلام علاقة فردية بحتة كما هو الغرب.

وفي إحدى محاضراته، وهو يتحدث عن أركان النص الديني مستخدما نفس مصطلحات فكر عصر الحداثة، تحدث السيد الحيدري عن أهمية تحديد كيفية فهم النص "قراءة النص"، فهل المناط والسلطة لفهم القارئ "قارئ النص" أم للنص ذاته أم ل "مؤلف النص"؟  ويقصد هنا بمؤلف النص، النبي أو أحد الأئمة بالنسبة للروايات.  ويكرر أهمية البحث في هذه القضية ويبرر ذلك بأنه إذا قلنا أن مؤلف النص معصوم، حينها لابد من العناية بمراده، فالسلطة لمؤلف النص هنا، لأن ما صدر منه مطابق للواقع، فهو صالح لكل زمان ومكان. أما إذا كان مؤلف النص غير معصوم، فهذا يعني أنه متأثر بظروف وثقافة عصره وعلوم مجتمعه، فقد تكون مطابقة للواقع وقد تكون مخالفة؛ وفي هذه الحالة فإن هذا يعني أن ما صدر عنه مناسب لذلك العصر فقط لأنه متأثر بعصره وظروفه وحاجاته وثقافته. (استمع ابتداء من الدقيقة الرابعة)

https://www.youtube.com/watch?v=JgZFOWbOVNg

 

وبالرجوع لنظريته "وحدة مفهوم وتعدد مصدق" فهي تعني أن مؤلف النص ليس معصوما، لأن الحيدري يدعي أن كل الأحكام الشرعية والتي هي عبارة عن مصاديق قابلة للتغيير، وهذا يعني أن النص الديني في هذا النطاق تاريخيٌ نزل لمعالجة واقع معين له ظروفه وفكره وثقافته، قد لا يصلح لهذا العصر، مما يعني نفي العصمة عن النص الديني وعن من صدر عنه النص. ولكن الحيدري لم يعترف بهذه الملازمة، لأن نفي عصمة النبي والأئمة (ع) بصورة فاقعة أمر صعب، فقام بتقديم بعض المباني التي تنفي ضرورة الإيمان بالعصمة  واعتبرها قضية اجتهادية نظرية، ثم أجهد نفسه لنفي أهمية العناية بمراد مؤلف النص، لتبقى السلطة لقارئ النص، وذلك من خلال زعمه أن الروايات التي بين أيدينا مؤلفها ليس الإمام حتى نقول أن "مؤلف النص" معصوم ويجب الاهتمام بمراده، وما ورد عن الأئمة في الروايات ليس بالضرورة مرادهم، (استمع ابتداء من الدقيقة 20 https://youtu.be/LrlSpDfnUeY)

وبرر ذلك أن الذي كتب رواياتهم هو البقال والجمال والحمال والسقاء، و 70% من الروايات كتبت بالمعنى وليس نص كلام الإمام، فالمؤلف إذن هم هؤلاء الرواة عنده، وبذلك لا يجب ايلاء عناية وأهمية بمراد المؤلف مادام المؤلف للروايات هو البقال والجمال والسقاء.

ولكن ماذا يفعل الحيدري مع النص القرآني، إذ لا مناص من القول أنه من الله فهو "مؤلف النص" وفق التعبير الحداثي، بالتالي فعصمته مطلقة، وخاصة أن الحيدري هو نفسه الذي يدّعي أن حتى المصاديق القرآنية متغيرة أي تاريخية؟ هنا أطلق الحيدري فتوى لطلابه-حتى لا يزعم بعض المغفلين أنه في إطار البحث الخارج- بعدم ايلاء أهمية كبيرة لمراد الله لأنه لا يمكن معرفة مراد الله ولو بعد خمسة آلاف سنة.  https://youtu.be/MvJb0oVOgGk 

وهذا تبرير لتحقيق النتيجة نفسها وهو "موت المؤلف" إذ لو كان حقا لا يمكن فهم مراد الله، فإن الله يعلم بذلك، بالتالي كيف يقول لنا كلاما لا يمكننا فهمه؟ نعم لا يمكن الاتفاق على فهم معين لبعض الآيات، ولكن إذا احتكمنا لمرجعية اللغة وقواعدها، فيمكن فهم مراده جل وعلا، ولكن إذا تم التلاعب حتى باللغة وفق النظرية التفكيكية لدريدا، هنا قد تعدد القراءات بعدد القراء. 

وما زال الحيدري يتعثر في منهج تبريري يحاول أن يرقع من خلاله مشروعا مهترئا أطلق عليه "حداثة إسلامية"، وقريبا سيتسع الفتق على الراتق. وهو كما اتضح في المقال، كمن ينصب الأفخاخ ويحفر الحفر للطرائد ولكن ينسى أماكنها فيقع فيها، فكل يوم ينكشف زيف هذا المشروع الحداثي. وليت من يتبرع يفكك لنا هذه العبارة: "حداثة إسلامية"، فهل تعني إسلام حداثي؟ فهذا لا معنى له إذ أنه كمن يقول المربع البيضاوي!!

 

 

د . عباس هاشم

 

الموقع ا ...
ما را در سایت الموقع ا دنبال می کنید

برچسب : نویسنده : alawhamo بازدید : 98 تاريخ : پنجشنبه 25 بهمن 1397 ساعت: 0:15