الحيدري وتاريخية النص القرآني (2)

ساخت وبلاگ

الحيدري وتاريخية النص القرآني (2)

 

 

الحيدري وتاريخية النص القرآني (2)

الإدعاءات الواسعة عن تاريخية بعض ما جاء في القرآن الكريم ليست جديدة على السيد الحيدري بعد أن أعلن عن مشروعه المسمى "حداثة إسلامية" ، فمثلها زعمه في سياق كلامٍ لا يخلو من التلبيس على المستمع لحقيقة موقفه، من أن القصص القرآني لا يعكس واقع الأحداث أي ليس صحيحا، فقد كان قوم النبي يختبرونه بالمقارنة بين ما يقوله لهم وبين ما لدى أهل الكتاب، فيجعلون ما يقوله أهل الكتاب هو المرجعية، فلو ذكر القرآن واقع القصة كما هي وليست كما وردت عند أهل الكتاب، لما قبلوا منه واعتبروا اختلاف ما ذكره عما في أيدي أهل الكتاب دليلا على كذبه ولهذا-وفق زعم الحيدري- أن القرآن عرض قصص الأمم السابقة متماشيا مع ما ورد في كتب أهل الكتاب والتي لا تعكس الواقع ولا يعتد بها كواقع تاريخي.(استمع المقطع الرابع عند الدقيقة 42 https://youtu.be/kDzDT9bz7ow ) (1)

وهو يدّعم هذا الرأي ويثبت تبنيه بالأمثلة التي يسوقها، ويزعم أن هذا الرأي يعد دفاعا عن القرآن في وجه بعض الغربيين ممن ذهب لعدم صحة ما جاء في القرآن من القصص علمياً وما في أيديهم من وثائق تاريخية، ويستعين بكتاب الفن القصصي في القرآن لمحمد أحمد خلف الله الذي صدر منه هذا الرأي قبل سبعين عاما، ويثني عليه. والملاحظ أن الحيدري فيما سبق كان يقول أنه يطرح هذا الرأي للبحث العلمي ولا ينكر صحة القصص القرآني (راجع الحلقة 50 من فقه المرأة ابتداء من الدقيقة 26) ولكنه اليوم يتبنى هذا الزعم ويكرره.

ولا شك في زيف هذا الإدعاء ووهنه، إذ أنه يعني أن القصص القرآني لا يعتد به وليس حقائق تاريخية؛ وهذا يجعلنا نتساءل: إذن لماذا قال القرآن أنه يقص أحسن القصص ثم يتضح عدم دقتها بل منقولة من كتاب ديني محرّف؟! والواقع أن كل من قام بالبحث على ما في كل من العهد القديم من الكتاب المقدس وقارنه بما في القرآن الكريم من القصص "يلحظ تهافت هذا الزعم وأمثاله، ومجافاته للحقيقة والصواب، ويدرك بعد ما بين القصص في كليهما كبعد ما بين المشرق والمغرب، ويقطع بأن العهد القديم لم يكن أبدا مصدرا للقصص في القرآن الكريم".

وكلام السيد الحيدري هذا يعني مرة أخرى أن القرآن يتوسل حتى بالخداع من أن أجل استمالة العرب للإسلام؛ فلأن همّه أن يقنع الآخرين بمشروعة، فديدنه الارتجال ولا يلتفت لكون ذلك مناف للأمانة العلمية، فما يطرأ على باله يلقيه على مستمعيه من دون تأنٍ وروية.

ودعونا نلج لدفعة أخرى من مزاعمه الكبيرة، فمن مزاعمه، أن رغبة العرب ومقاييس الجمال عندهم هي الحور العين، والعِين والعيناء: الواسعة العيون، ثم يتساءل: ماذا عن اليابانيين والصينيين [باعتبارهم ذوو أعين ضيقة]؟ هل يقال لهم يوم القيامة أنه لا يوجد عيون ضيقة في الجنة بينما هذه محل رغبتهم؟ (https://youtu.be/06eNi6WbxgI ) ومن هذه الإشكالية السطحية ينطلق لتقوية إدعاء الحداثيين بأن في القرآن نصوصا تاريخية ملائمة فقط لذلك العصر وذلك المجتمع!! وهذا كلام بعيد عن الموضوعية واحترام فكر المستمع له، إذ لا صلة لما في الجنة والدار الآخرة بمثل هذه القضية، فهناك أيضا خمور، فلا يقال مثلا أن القوم الفلانيين يفضلون العصير ولا يشربون الخمور، وأن الخمور تغري العرب فلذلك ذكرها القرآن، وبالتالي فهذه آية تدلل على تاريخية القرآن أي أنها مرتبطة بعرب ذلك العصر؛ فهذا استدلال فاسد، ففي الآخرة سيحب أهل الجنة كل ما فيها. ثم من أين إدعائه أن اليابانيين يحبون العين الضيقة بينما مكياج نسائهم يعمد إلى اظهار العين واسعة، فالعين الواسعة معيار عالمي للجمال؟

وفي الإطار نفسه من تثبيت وجود نصوص تاريخية في القرآن، وفي لغة لا تخلو من التهكم من ذكر القرآن للخيام كما في قوله تعالى (حور مقصورات في الخيام)، يتساءل ساخرا، كيف تكون جنة وإذا فيها خيام؟ ويزعم أن القرآن ذكر الخيام لأن العرب تسكن الخيام، ويعتبر العرب كلهم من البدو الرحل؛ ولكن هل من قرأ حتى تاريخ مكة وقريش يزعم هذا الزعم؟ فالعرب يسكنون مدن ولهم بيوت وليست خياما، فالخيام لأهل البادية وليست لقريش وغيرها من القبائل القارة في مدنها. بجانب ذلك كله، ففي الروايات وصف لخيام الجنة مختلف عما يوحيه كلام السيد الحيدري..ثم هل غفل عن قوله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا )؟

و لكونه يرتجل الرأي ارتجالا، يقع في التناقض غالبا، ففي الوقت الذي يبرر تبشير القرآن العرب بالخيام لأنهم وفق دعواه بدو رحلّ يسكنون الخيام، يزعم أن القرآن وعد العرب بجنات تجري من تحتها الأنهار وبساتين وخضرة، لأن ذلك ما يفتقدونه، وأن مثل ذلك لا يحرّك مثل الأوربيين الذين يعيشون الأنهار والأرض الخضراء ويشتاقون ليوم مشمس صحراوي، فهنا يسقط في التناقض، إذ يفترض أنه كما بشرهم القرآن بالأنهار والبساتين التي يفتقدونها، يبشرهم بالقصور التي رأوها في الحيرة والشام لدى المناذرة والغساسنة لا أن يبشرهم بالخيام التعيسة التي يسكنونها! ولكن كما يبدو أنه يُلقي كل فكرة تعنّ في مخيلته أثناء حديثه لتقوية مشروعه الحداثي واثبات أن القرآن يتضمن مفاهيم تاريخية لا تصلح لهذا العصر، بجانب اعتباره كل المصاديق القرآنية –الأحكام الشرعية- تاريخية أيضا ومتغيرة وهذا في حد ذاته كارثة كبرى، لا تترك ثابتا إلا وتجعله قابلا للاستبدال والتغيير.

أخيرا، يبدو أن أن عملية الاشتباك مع النصوص الحداثية أفقدت السيد الحيدري توازنه، فصار يطلق الادعاءات دون أن يلتفت لملازماتها المسيئة لأخلاق القرآن ونبي الإسلام صلى الله عليه وآله.
‏(1) https://youtu.be/kDzDT9bz7ow استمع عند الدقيقة 44.

======
التمس من المؤمنين الدعاء لحاجة ملحة.

 

د . عباس هاشم

 

 

 

الموقع ا ...
ما را در سایت الموقع ا دنبال می کنید

برچسب : نویسنده : alawhamo بازدید : 103 تاريخ : شنبه 11 اسفند 1397 ساعت: 8:38